غياب نوبل وتحديات الاعتراف بالأدباء العرب

المؤلف: حجي جابر08.17.2025
غياب نوبل وتحديات الاعتراف بالأدباء العرب

كما جرت العادة سنويًا، أثار الإعلان عن الفائز بجائزة نوبل للأدب تساؤلات متجددة حول التجاهل المستمر للأدباء العرب. هذه المرة، كان السؤال أكثر حدة وإلحاحًا، خصوصًا وأن الجائزة ذهبت إلى الروائي التنزاني عبد الرزاق قرنح، مما يعني أن الجائزة كانت قريبة جغرافيا، لكنها كالعادة لم تصل إلى الأدب العربي.

إنّ هذه الخيبة المتكررة ليست سوى انعكاسًا لإحباط أعم وأشمل يسود أوساط الأدباء في العالم العربي. والسبب في ذلك، حسب اعتقادي، هو الرغبة في أن تكون جائزة نوبل اعترافًا عالميًا بقيمة الأدب العربي ومكانته. هذا الغياب المزمن يوحي بمعانٍ مؤسفة، فالحصول على تقدير واعتراف يمثل هاجسًا حقيقيًا لدى العديد من الروائيين العرب، فهو يمثل إقرارًا بوجودهم وأعمالهم، ودونه تبدو التجربة ناقصة ومحبطة.

هنالك دور النشر المرموقة التي يعتبر التعاقد معها مكسبًا أدبيًا، والمكتبات العريقة التي تحظى فعالياتها الأدبية باهتمام واسع، والأقسام الأدبية في الجامعات التي تولي اهتمامًا خاصًا للإبداعات الجديرة بالتقدير.

إن مجرد النشر وتعدد الإصدارات لا يضمن بالضرورة حصول الكاتب على الاعتراف الذي يستحقه. هذه الحقيقة، على الرغم من غرابتها، راسخة في الواقع وتزداد وضوحًا، مما يزيد من تعقيد المشكلة. فما الذي يحتاجه الأديب لكي يحظى بالاعتراف المنشود وينتقل من الظل إلى دائرة الضوء؟

في أنحاء كثيرة من العالم، تتنوع أساليب الاحتفاء بالأديب وتتزايد كمًا وكيفًا. فدور النشر الكبيرة تمنح الكتاب فرصة ذهبية للشهرة، لأن القارئ يثق بأن هذه الدور لا تنشر إلا أعمالًا متميزة. وبالتالي فإن التعاقد معها يعدّ بداية طريق الشهرة والاعتراف.

ثم هناك المكتبات الشهيرة، التي تضفي استضافتها للكاتب لإحياء أمسية أو حفل توقيع قيمة كبيرة على الحدث، وتجذب جمهورًا واسعًا. وتلعب أقسام الأدب في الجامعات دورًا حيويًا أيضًا، فاهتمامها بعمل أدبي ما يمنحه زخمًا إضافيًا. ولا يمكن إغفال الدور المهم الذي تلعبه الملاحق الصحفية الأدبية في تسليط الضوء على الأعمال الإبداعية المتميزة وتجارب أصحابها. وأخيرًا، هناك الناقد الأدبي الذي يقدم قراءات تحليلية قيمة، توجه القراء وتعرفهم على الأعمال التي تستحق الاهتمام.

لكن إذا نظرنا إلى الوضع في العالم العربي، سنجد اختلافًا كبيرًا. فدور النشر لا تتمتع بتأثير كبير على القراء يمنح الكتاب شهرة واسعة بمجرد النشر. كما أن المكتبات العريقة قليلة، وتتجه نحو التراجع والاكتفاء ببيع الأدوات المكتبية. أما دور أقسام الأدب في الجامعات فيبقى محدودًا في الأوساط الأكاديمية. والملاحق الأدبية تعاني من الركود والضعف، مثلها مثل الصحافة الورقية بشكل عام. أما النقد الأدبي، فأغلبه يبحث عن الشهرة بدلًا من أن يكون منارة تضيء الطريق أمام الأعمال الجيدة. لذلك نرى الناقد يسعى وراء الأعمال الرائجة، طمعًا في اقتسام الشهرة، أو يتعمد إثارة الجدل لجذب الانتباه.

في ظل هذه الظروف، لا يبقى أمام الروائي العربي وسيلة للحصول على الاعتراف سوى الفوز بجائزة أدبية. وهذا يفسر الجدل والارتباك والتوتر الذي يصاحب الجوائز الأدبية العربية. إنها بمثابة المصباح السحري الذي ينقل الأديب من الظلام إلى النور. صحيح أن الجوائز مؤثرة في كل مكان، لكن تأثيرها في العالم العربي مبالغ فيه بشكل غير صحي. لقد أصبحت الجوائز ونتائجها وما يحيط بها تسمم البيئة الأدبية وتضعفها، بدلًا من أن تعززها.

فما هو الحل إذًا؟ أنا لست ضد الجوائز الأدبية، بل على العكس، أؤيد زيادتها وتنوعها، ولكن طالما بقيت الوسيلة الوحيدة للاعتراف، ستبقى المشكلة قائمة. فدائمًا ستكون الغالبية العظمى من الأدباء خارج دائرة الضوء.

قد يقول البعض إنهم ليسوا بحاجة إلى الاعتراف، وإن مجرد الكتابة يمنحهم الرضا الكافي لمواصلة رحلتهم الإبداعية. وهذا أمر رائع، ولكنه يثير التساؤل حول دوافع نشر كتاب بدلًا من الاحتفاظ به في الأدراج. فإذا لم يكن الهدف هو الحصول على الاعتراف، فما الدافع إذًا؟ فالأدراج ما زالت قادرة على استيعاب كل ما لا يراد له أن يرى النور!

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة